معجزة الألم في أكناف فلسطين
سلمان العنزي 5/3/1429
13/03/2008
لن تحبل أشجار الزيتون إلا حجرًا
ولن يدر الحجر إلا الدم القاني
فكن هنا أو هناك
فسوف يأتيك الخراج !!
الحياة عبارة عن لوحة بيضاء. . تبحث عن يد الفنان، وروح الرسام، وقلب النحات، كي تتحول إلى تحفة فنية. . تأخذ العقل، وتسبي النفس، وتهدي أبناء الحياة إلى أجمل المعاني، وأنبل الغايات، ولكن هل نحن من قدر له أن يكون ذلك الصناع الماهر، والعبقري الفاتن؟ كل إنسان يتمنى ذلك غير أن الحقيقة لها كلمة أخرى ونظرة مغايرة...!
إن الذين يرسمون الحياة بأجمل ريشة، وأصفى لون هم المجاهدون في سبيل الله؛ المجاهدون في الأرض المقدسة التي بارك الله فيها، وجعلها مهدا للرسالات، ومحط مسرى النبي الأمي الكريم ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ، المجاهدون القلة في أعين العالم، الضعفاء في رؤية المفكرين، البائسون في اعتقاد المترفين، المجاهدون العظماء في نفوس المؤمنين، والكثرة في أعين اليهود، والسعداء في عقيدة الرسول، المجاهدون الصامدون والعالم كله يحدق فيهم، ويعجب من بسالتهم، وقوة شكيمتهم. . ثم هو بعد ذلك يتلو على أرواحهم صلاته كما يعتقد!!
أولئك هم القدوة وهم العزاء، وأما نحن فسراب سيبدده الظل، وظلام سينسخه النور، أما نحن ففقاعات صابون في لعبة مسلية لولد (أصفر) ينفث فيها ليسعد قلبه... يراها أمامه تمتد ثم تتكور ثم تنفجر ثم تساقط رذاذا لذيذا على وجهه فتدوي حنجرته بقهقهات المرح!!
هناك في فلسطين يصنع مجد، وتتمخض أمة، ويصنع رجال...!! وهنالك في الحياة كلها يصنع الذل، وتتمخض أوهام، وتصنع أشباح!
هناك في فلسطين سموا لنا رجالكم!! وهنالك في الحياة كلها سموا لنا نساءكم!!
هناك في فلسطين رفيف أجنحة الملائكة لم يزل نديا على القلوب المؤمنة!! وهنالك في الحياة كلها صهيل خيل الشيطان لم يزل مرعدًا بالقلوب الواجفة المريدة!!
هناك في فلسطين ينتصر الموت لتخلد الحياة!! وهنالك في الحياة كلها تنتصر الحياة ليبطل مفعولها، ولتذهب لذتها، ولتتحول إلى فكرة تافهة لا وجود لها إلا في رأس أحمق!!
أيتها الضباع البائسة في العالم اللاهي. . هلا علمتي نفسك طهارة الضحية لتقبل منك التوبة!!
هلا تعلمتي قليلا من فن الألم (الفخم) في قلوب الرجال الكبار من أبناء فلسطين!؟ أم تراك في عماية الدنيا، وغمرة الجهل، وملتطم الشهوات. . لا تدركين معنى فن الألم (الفخم) لأن القلوب المتصابية لم تبرمجها الكرامة لمعرفة أبجديات السعادة!، مع أن أصحاب المعاناة في الأرض ممن كانت معاناتهم بسبب مبدأ يرون أن الألم هو (مخزن) الجمال:
يقول شارلي شابلن: إن بعض الناس يدهشون لإصراري على الظهور في رواياتي بمظهر الشريد البائس المتألم!! ولكن أليس في الألم معنى الجمال..!!
نعم ولا ريب في ذلك؛ هاتوا تاريخ البشرية كله، وابطحوه أرضًا، وفتشوه، ولا تتركوا زاوية أو دهليزا أو سردابا إلا دخلتموه (ونخشتم) ما فيه .. ثم خبروني أي شيء وجدتم، وأي خبيئة كشفتم؟
ستجدون أن حجر الزاوية للأفعال العظيمة والمواقف الجليلة والانتصارات الخالدة والأعمال الباقية هو الألم (الفخم) ولولاه لبقي الكون حجارة لا نبض فيها، وقرى خاوية على عروشها، وبقي ناسه بين الحقيقة والخيال في صخب لا يهدأ وجنون لا يفثأ، وبقيت المعاني ظلامًا يبحث عن القوة الكاشفة!
الألم يصيرنا عظماء لا نبصر الشمس بل هي تبصرنا وتتزين بطلعتنا... كما يقول ألفريد دي ميسيه.. ويصنع من الصغار كبارًا يزرعون الحياة كمالا حين يتغيب الرجال في دوامة التفاهة منقلبين إلى صغار تغفل عنهم أعين المجد!
وأنت ـ أيها القاريء ـ لن تجد الألم الفخم العذب إلا في مدارج أرض بيت المقدس الطاهر...!! عند أولئك الشيوخ الجبابرة الذين يعانون الألم ويصرون على البقاء مكافحين، عند أولئك الصبية القساورة الذين يزدادون على القتل والتعذيب والاضطهاد قوة ومرة وشراسة تتحول إلى وقود جامح يأكل من معاني إسرائيل وحقائقها.. عند تيك النسوة اللاتي رضين بالفجيعة في الزوج والولد من أجل (لا إله إلا الله)... لهف نفسي عليهن طاهرات يبتن على جمر الغضا ونار الدموع ينتظرن الغائب الذي لا يئووب!
عند هؤلاء المشبعين بالألم العبقري. . لن تجد المعاني الإنسانية التي تسمّن كما تسمن الشاة ليوم أكل وشرب وغناء، ولن تجد الأفكار متحولة إلى سهام نافذة في قلوب أصحابها، وعقدة لا يقدر على حلها لأنها لم توجد لتحل بل لتشغل وقتـًا وتسنزف جهودًا وتسرف مالاً.. ، ولن تجد الخوف يتملك منافذ الحياة على أهلها؛ لأنك ستجد الكفاح النبيل يفتح للأجيال آفاقـًا يرتادونها، ويصنعون آمالهم من خلالها، ومتى كان الكفاح سر النفس المؤمنة كان النصر أول عتبات خلودها..!
حقـًا ـ ياصاح ـ إن أردت الحياة والتحرر من رق العبودية. . فكن هناك إن لم تكن بجسدك ومالك وسلاحك، فبقلبك تصيره قنبلة وتفجرها في جو السماء، ابتهالات ودعاء. . يستمطر النصر في صدق، يحرق القلب، ويرمض النفس، ويستحلب العين، ثم لنسمح للعزاء الحقيقي والعدة النافذة أن تلامس واقعنا. . {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
مع تحيات (( بحر الاحزان))//////
الجمعة مارس 14, 2008 10:32 pm
